لم تحرّك الجثث المحروقة ولا رائحة الموت المنبعثة من قطاع غزة، القنوات الفضائية التي تشهد منذ فترة إسهالا حادا في البرامج الموسيقية والحصص المتعلقة بتلفزيون الواقع الخاصة باكتشاف المواهب، حيث يظهر بعض مقدّمي تلك البرامج في صورة مريبة واستفزازية، يضحكون من خلالها على ذقون المشاهدين، فيقولون "عزاؤنا وتحيتنا الخاصة لأهلنا في غزة" قبل أن يتم اعطاء الاشارة لحفلات الرقص والغناء، و"الهشك بشك"!
انتظر جميع من شاهد برنامج "صوت الحياة" على قناة الحياة المصرية، وبرنامج "ذا فويس" على قناة "الأم بي سي" أن يتم إلغاء حلقات الاسبوع الماضي، أو حتى تكييفها من خلال اطلاق أغان وطنية وأناشيد تؤازر الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقصف المستمر من طرف العدوان الصهيوني، لكن منشط برنامج "ذو فويس" المصري محمد كريم، اكتفى بالقول مع بداية حلقة الجمعة الماضية: "أطلب من الجمهور الحاضر تحية الشعب الصامد في غزة، والدعاء له بالنصر".. نقطة الى السطر! ومن جهتها، قالت الفنانة المصرية شيرين، بعد وصلة ردح وضحك وتغزّل بالفنان العراقي وزميلها في لجنة التحكيم، كاظم الساهر، أن قلبها مع الغزاويين "وهو الأمر الذي كان مثار استفزاز كبير لدى الجمهور الذي أغرق مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات، حيث قال بعضهم على تويتر وأيضا الفايسبوك:
"أنه من العيب والعار، أن يتم قتل الأطفال في غزة، ويموت الأطفال أيضا في قطار أسيوط بمصر، في الوقت الذي يترنح فيه المغنون، وتصدح أصواتهم بأغاني العشق والهوى والغناء الهابط"! وفق لما اوردته الشروق الجزائرية.
وفي السياق ذاته، من المقرر أن تظهر الفنانة نانسي عجرم لتغني في حلقة الهواء مباشرة هذا الأسبوع من برنامج "صوت الحياة" وهي المسابقة التي تقدمها اللبنانية رزان المغربي في أول ظهور تلفزيوني لها بمصر بعد اختفائها إثر الفضيحة الأخلاقية التي تورطت بها!
من يشاهد الفضائيات العربية في الأيام الأخيرة، يلاحظ أن الحداد المزيف الذي أعلنته الكثير منها، هو حداد الأفاقين والمنافقين، حيث لم تستطع معظم تلك الفضائيات، الغاء عقودها الاشهارية في مقابل توقيف البرامج الموسيقية والغنائية، وهو ما يعني خسارتها ماديا، في الوقت الذي كيفت فيه فضائيات اخبارية، جميع برامجها على ما يحدث في غزة، مع بعض الارتباك الذي وقعت فيه كل من الجزيرة والعربية بسبب تركيزهما المفرط على ما يحدث في سوريا، أو على نقل جانب واحد منه، يتعلق بما يفعله الثوار!
وبالعودة الى القنوات العامة الترفيهية، فإنها لم تتوقف عن ممارسة الشطيح والرديح، حتى في عزّ تصاعد أعداد الشهداء الفلسطينيين في غزة، حيث وصل حوالي المائة، في الوقت الذي يقول فيه أصحاب تلك البرامج الفنية والموسيقية أن توقيفها أو حتى تعليقها دون معرفة ما اذا كان الوضع المتفجر في غزة سيتوقف عاجلا أو سيطول، سيؤدي الى خسارتها للعديد من الأموال والمعلنين، ناهيك عن تحول المشاهدين عن برامجها الى قنوات أخرى لا تتوقف.
ويطرح هذا الوضع، اشكالية كبيرة تتعلق بغياب ميثاق لشرف المهنة، يفرض على القنوات وقف بث برامجها الموسيقية والراقصة في الفترات التي يتم فيها إعلان حداد بالأمة، في الوقت الذي يطالب فيه البعض من القمر الصناعي نايل سات وإدارته تهديد تلك القنوات باتخاذ إجراءات ضدها في حال عدم احترام الحداد، تماما مثلما تنتفض الحكومات العربية في حال وقوع أي خرق سياسي أو اعلامي أو فكري جريء. وفي هذا الصدد، طالب عدد كبير من جمهور الفنانين المشاركين في هذه البرامج بعدم الظهور فيها أو حتى بالانسحاب من لجان التحكيم، وهو الأمر الذي تم توجيهه تحديدا الى عدد من الفنانين المحترمين على غرار كاظم الساهر أو عاصي الحلاني، ولكن لا يخف على الجميع أن هؤلاء الفنانين متعاقدين مع إدارة تلك القنوات وفقا لعقود مشددة، حيث يخسر بالانسحاب أموالا طائلة، وهو ما يجعل هؤلاء الفنانين متهمين بالنصب والاحتيال على الجمهور من خلال ادعاء صفات لا تتوفر فيهم، حيث يخشون على جيوبهم وأموالهم أكثر مما يخشون على صورتهم في مثل هذه الفترات الحرجة التي تمر بها الأمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق